كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وانظر أيضًا أسانيد هذه الآثار التي ذكرها عن الصحابة، وهذا الذي ذكر هو حاصل ما احتج به الجمهور الذين قالوا إن الحبل لا يثبت به الزنا.
قال مقيدة عفا الله عنه وغفر له: أظهر قولي أهل العلم عندي: أن الزنا لا يثبت بمجرد الحبل، ولو لم يعرف لها زوج ولا سيد لأن الحمل قد يقع بلا شك من غير وطء في الفرج، بل قد يطأ الرجل المرأة في فخذيها، فتتحرك شهوتها فينزل ماؤها وينزل الرجل، فيسيل ماؤه فيدخل في فرجها، فيلتقي ماؤه بمائها فتحمل من غير وطء وهذا مشاهد لا يمكن إنكاره.
ولأجل ذلك فالأصح أن الزوج إذا كان يطأ امرأته في الفخذين، ولم يجامعها في الفرج فظهر بها حمل أنه لا يجوز له اللعان لنفي ذلك الحمل، لأن ماءه قد يسيل إلى فرجها.
فتحمل منه، وقول عمر رضي الله عنه: إذا كان الحبل أو الاعتراف اجتهاد منه، لأنه يظهر له رضي الله عنه أن الحمل يثبت به الزنا كالاعتراف والبينة.
وإنما قلنا إن الأظهر لنا خلاف قوله رضي الله عنه، لأنا نعلم أن وجود الحمل لا يستلزم الوطء في الفرج بل قد تحبل بدون ذلك، وإذا كان الحبل لا يستلزم الوطء في الفرج فلا وجه لثبوت الزنا، وإقامة الحد بأمر محتمل غير مستلزم لموجب الحد كما ترى.
ومن المعلوم أن الحدود تدرأ بالشبهات. هذا هو الأظهر عندنا والعلم عند الله تعالى.
فروع تتعلق بهذه المسألة:
الفرع الأول: اعلم أن الذين قالوا: بوجوب الحد بالحمل قالوا: إن تلك الحامل إن كانت طارئة من بلاد أخرى، وادعت أن حملها من زوج لها تركته في بلدها فلا حد عليها عندهم، ولا يثبت عليها الزنا بذلك الحمل.
الفرع الثاني: اعلم أنه إن ظهر بها حمل فادعت أنها مكرهة لا يقبل دعواها الإكراه عند من يثبت الزنا بالحمل إلا إذا اعتضدت دعواها بما يقوبها من القرائن كإتيانها صارخة مستغيثة ممن فعل بها ذلك، وكأن يأتي متعلقة برجل تزعم أنه هو الذي أكرهها وكأن تشتكي من الذي فعل بها ذلك قبل ظهور الحمل.
وقال بعض علماء المالكية إن كانت شكواها من الرجل الذي فعل بها ذلك مشبهة لكون الرجل الذي ادعت عليه غير معروف بالصلاح، فلا حد عليها، وإن كان الذي ادعت عليه معروفًا بالصلاح، والعفاف، والتقوى حدت ولم يقبل قولها عليه:
وقال بعض المالكية: إن لم تسم الرجل الذي ادعت أنه أكرهها تعزر، ولا تحد إن كانت معروفة بالصلاح والعفاف.
الفرع الثالث: قال الشيخ الحطاب في شرحه لقول خليل في مختصره المالكي أو مكرهة ما نصه: قال في الطراز في أواخر الجزء الثالث في ترجمة تفسير الطلاق، وما يلزم من ألفاظه قال ابن عبد الغفور: ويقال إن عبد الله بن عيسى سئل عن جارية بكر زوجها فابتنى بها زوجها فأتت بولد لأربعة أشهر، فذكر ذلك لها فقالت: إني كنت نائمة فانتبهت لبلل بين فخذي، وذكر الزوج أنه وجدها عذراء.
فأجاب فيها: أنها لا حد عليها إذا كانت معروفة بالعفاف، وحسن الحال، ويفسخ النكاح، ولها المهر كاملًا، إلا أن تكون علمت الحمل، وغرت فلها قدر ما استحل منها انتهى من الاستغناء انتهى كلام الطراز انتهى ما نقله الحطابن وهو يؤيد أن الحمل قد يقع من غير وطء يوجب الحد كما ذكرنا والعلم عند الله تعالى.
المسألة الرابعة: اعلم أن من ثبت عليه الزنا وهو محصن.
اختلف أهل العلم فيه فقال بعضهم: يجلد مائة جلدة أولًا ثم يرجم بعد ذلك، فيجمع له بين الجلد والرجم، وقال بعضهم: يرجم فقط ولا يجلد، لأن غير القتل يندرج في القتل، ممن قال بالجمع بينهما علي رضي الله عنه، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
قال ابن قدامة في المغني وبه قال ابن عباس، وأبيّ بن كعب، وأبو ذر. ذكر ذلك عبد العزيز عنهما واختاره وبه قال الحسن، وإسحاق، وداود، وابن المنذر، وممن قال بانه يرجم فقط ولا يجلد مع الرجم مالك، وأبو حنيفة، والشافعي والنخعي، والزهري والأوزاعي. واختاره أبو إسحاق الجوزجاني وأبو بكر الأثرم، ونصراه في سننهما وهو رواية عن الإمام أحمد وهو مروي عن عمر، وعثمان، وابن مسعود قال ذلك كله ابن قدامة في المغني، وهذا القول الأخير الذي هو الاقتصار على الرجم عزاه النووي في شرح مسلم لجماهير العلماء.
وفي المسألة قول الثالث: وهو ما حكاه القاضي عياض، عن طائفة من أهل الحديث، وهو أنه يجب الجمع بينهما إذا كان الزاني شيخًا ثيبًا فإن كان شابًا ثيبًا اقتصر على الرجم.
وإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة فهذه تفاصيل أدلتهم أما الذين قالوا: يجمع للزاني المحصن بين الجلد والرجم، فقد احتجوا بأدلة.
منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بالجمع بينهما للزاني المحصن تصريحًا ثابتًا عنه ثبوتًا لا مطعن فيه.
قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» وهذا تصريح منه صلى الله عليه وسلم، بأن الثيب وهو المحصن يجلد مائة ويرجم، وهذا اللفظ أخرجه مسلم أيضًا بإسناد آخر وفي لفظ في صحيح مسلم «الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة» وهو تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بالجمع بينهما. وفي لفظ عند مسلم أيضًا «الثيب يجلد ويرجم» وهذه الروايات الثابتة في الصحيح فيها تصريحه صلى الله عليه وسلم بالجمع بين الجلد والرجم.
ومن أدلتهم على الجمع بينهما أن عليًا رضي الله عنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، ثنا سلمة بن كهيل قال: سمعت الشعبي يحدث عن علي رضي الله عنه، حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال: قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى منه.
وقال ابن حجر في الفتح في الكلام على هذا الحديث ما نصه في رواية علي بن الجعد: أن عليًا أتي بامرأة زنت فضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة إلى آخر ما ذكره من الروايات، بأن عليًا ضربها ورجمها وهي شراحة الهمدانية كما تقدم وفي رواية: أنها مولاة لسعيد بن قيس ومن أدلتهم على الجمع بينهما أن الله تعالى قال: {الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] واللفظ عام في البكر والمحصن، ثم جاءت السنة بالرجم في حق المحصن والتغريب سنة في حق البكر، فوجب الجمع بينهما عملًا بدلالة الكتاب والسنة معًا كما قال علي رضي الله عنه قالوا: وقد شرع في كل منى المحصن والثيب عقوبتان: أما عقوبتا الثيب: فهما الجلد والرجم، وأما عقوبتا البكر: فهما الجلد والتغريب.
هذا هو حاصل ما احتج به الذين قالوا: إنه يجمع للمحصن بين الجلد والرجم.
وأما الذين قالوا: يرجم فقط، ولا يجلد فاحتجوا بأدلة.
منها: أنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا، ولم يجلده مع الرجم لأن جميع الروايات في رجم ماعز بن مالك ليس في شيء منها أنه جلده مع الرجم بل ألفاظها كلها مقتصرة على الرجم قالوا: ولو كان الجلد مع الرجم لم ينسخ لأمر بجلد ماعز مع الرجم، ولو أمر به لنقله بعض رواة القصة قالوا: وقصة ماعز متأخرة عن حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي فيه التصريح بالجمع بينهما.
والدليل على أن حديث عبادة متقدم وأنه أول نص نزل في حد الزنا أن قوله صلى الله عليه وسلم فيه «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا» الحديث، يشير بجعل الله لهن سبيلًا بالحد إلى قوله تعالى: {واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نِّسَآئِكُمْ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] فالزاني كن محبوسات في البيوت إلى حد الزنا علمنا بذلك أن حديث عبادة أول نص في حد الزنا، وأن قصة ماعز متأخرة عن ذلك.
ومن أدلتهم أنه رجم الغامدية كما تقدم ولم يقل أحد إنه جلدها، ولو جلدها مع الرجم لنقل ذلك بعض الرواة.
ومن أدلتهم: أنه قال صلى الله عليه وسلم: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» ولم يقل فاجلدها مع الرجم، فدل ذلك على سقوط الجلد لأنه لو وقع لنقله بعض الرواة. وهذه الوقائع كلها متأخرة عن حديث عبادة بن الصامت كما أشرنا إلى ما يقتضي ذلك أنفًا.
ومن أدلتهم على أنه يرجم فقط، ولا يجلد مع الرجم الروايات الصحيحة التي قدمناها في رجمه صلى الله عليه وسلم للمرأة الجهنية، والغامدية، فإنها كلها مقتصرة على الرجم، ولم يذكر فيها جلد وقال أبو داود، قال الغساني: جهينة وغامد وبارق واحد. انتهى. منه وعليه فالجهنية هي الغامدية.
وعلى كل حال فجميع الروايات الواردة في رجم الغامدية، ورجم الجهنية ليس في شيء منها ذكر الجلد، وإنما فيها كلها الاقتصار على الرجم، كذلك قصة اليهوديين اللذين رجمهما صلى الله عليه وسلم ليس فيها إلا الرجم ولم يذكر فيها جلد، هذا حاصل ما احتج به أهل هذا القول.
وأما الذين قالوا: إن الجمع بين الرجم والجلد خاص بالشيخ والشيخة. وأما الشاب فيجلد إن لم يحصن ويرجم فقط إن أحصن، فقد احتجوا بلفظ الآية التي نسخت تلاوتها، وهي قوله تعالى: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فاجموهما» إلى آخره، قالوا: فرجم الشيخ والشيخة ثبت بهذه الآية، وإن نسخت تلاوتها فحكمها باق. وقال ابن حجر في الفتح، وقال عياض: شذت فرقة من أهل الحديث فقالت: الجمع على الشيخ الثيب دون الشاب، ولا أصل له. وقال النووي: هو مذهب باطل كذ قاله، ونفى أصله، ووصفه بالبطلان إن أراد به طريقه فليس بجيد، لأنه ثابت كما سأبينه في باب البكران يجلدان وإن كان المراد دليله ففيه نظر أيضًا، لأن الآية وردت بلفظ الشيخ ففهم هؤلاء من تخصيص الشيخ بذلك: أن الشاب اعذر منه في الجملة فهو معنى مناسب، وفيه جمع بين الأدلة، فكيف يوصف بالبطلان. انتهى محل الغرض من فتح الباري.
وقد قال صاحب فتح الباري: إن هذا القول حكاه ابن المنذر وابن حزم، عن أبي بن كعب زاد ابن حزم وأبي ذر وابن عبد البر، عن مسروق انتهى.
وإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه المسالة وحججهم، فاعلم أَن كل طائفة منهم ترجح قولها على قول الأخرى.
أما الذين قالوا: يجمع بين الجلد والرجم للمحصن، فقد قالوا هذا القول، هو أرجح الأقوال، ولا ينبغي العدول عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن المحصن يجلد ويرجم بالحجارة، فهو حديث صحيح صريح في محل النزاع، فلا يعارض بعدم ذكر الجلد في قصة ماعز، والجهينة، والغامدية، واليهوديين. لأن ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم لا يعدل عنه بأمر محتمل، يجوز أن يكون الجلد وقع لماعز ومن ذكر معه ولم يذكره الرواة، لأن عدم ذكره لا يدل دلالة قطعية على عدم وقوعه، لأن الراوي قد يتركه لظهوره، وأنه معروف عند الناس جلد الزاني، قالوا والمحصن داخل قطعًا في عموم {الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وهذا العموم القرآني لا يجوز العدول عنه، إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وعدم ذكر الجلد مع الرجم لا يعارض الأدلة على أنه لم ينسخ، ولم يعلم أن أحدًا من الصحابة أنكر عليه ذلك، ولا تخفى قوة هذا الاستدلال الذي استدل به أهل هذا القول.
وأما الذين قالوا: بأن المحصن يرجم فقط ولا يجلد، فقد رجحوا أدلتهم بأنها متأخرة عن حديث عبادة بن الصامت، الذي فيه التصريح بالجمع بين الرجم والجلد، والعمل بالمتأخر أولى. والحق أنها متأخرة عن حديث عبادة المذكور، كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «قد جعل الله لهن سبيلًا» فهو دليل على أن حديث عبادة، هو أول نص ورد في حد الزنا كما هو ظاهر من الغاية في قوله تعالى: {حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] قالوا: ومن أصرح الأدلة في أن الجمع بين الجلد والرجم منسوخ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة العسيف الذي زنى بامرأة الرجل الذي كان أجيرًا عنده «الذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله» وهذا قسم منه صلى الله عليه وسلم أنّه يقضي بينهما بكتاب الله، ثم قال في الحديث الذي أقسم على أنه قضاء بكتاب الله «واغد يا أنيس إلى أمرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» قالوا: إن قوله: «فإن اعترفت» شرط وقوله: «فارجمها» جزاء هذا الشرط، فدل الربط بين الشرط، وجزائه على أن جزاء اعترافها هو الرجم وحده، وأن ذلك قضاء بكتاب الله تعالى.